أصدر حديثا عن ديهيا للنشر الشاعر المغربي "محمد العياشي" مجموعته شعرية الجديدة، الموسومة بوحي البيضاء. وهي الإصدار الثالث لهذا الشاعر بعد منابع ديوانيه "منابع الأشواق" (2010) و"أطلسيات" (2012). وهي مجموعة شعرية تأتلف من 49 عنوانا بين قصيدة ومقطوعة، كتبت في معظمها في العام الأول بعد الانتقال من الجبل إلى الدار البيضاء، ولذلك فهي تتسم بنوع من الصدمات التي تعتور قاطني الطبيعة الذين ينتقلون إلى العيش بالمدن الكبيرة. وعموم النصوص تخضع لخيط ناظم، يؤطرها. والمجموعة وفيّةٌ كليا لنظام الشطرين، كتوجه اختاره الشاعر للتعبير. مع تنويع في الأوزان بين أغلب البحور الخليلية..
هذا ويعدّ "محمد العياشي" شاعر مغربي، من مواليد 1972. نظم الشعر وهو دون العشرين من عمره. حاز على الجائزة الأولى في مسابقة شعرية إقليمية سنة 1994، وعلى المرتبة الأولى في القصيدة العمودية وطنياً سنة 2000. ينشر قصائده في عدد من المواقع الإلكترونية، بإضافة لديوانيه السابقين، كما يشرف على الملتقى الدولي للشعر بمريرت.
يقول الناقد المغربي عزالدين بوركة، اختيار كتابة القصيدة العمودية، آنيا، هو تحدٍ يحوزه الانشغال بكتابة الشعر، لا الدخول في صراعات إيديولوجية.. لا تقدم للقصيدة العربي سوى التقدم للخلف، لا للأمام.
محمد العياشي واحد من هؤلاء الشعراء الذين تحوزهم هذه الإنكتابية. عن القصيدة عنده يقول الناقد المغربي "نجيب العوفي"، ذات نص باذخ الطرح: " لقد اختار منذ البدء عن بينة و واقتناع وسبق إصرار، القصيدة العمودية الموزونة المقفاة قالبا وقناة لبوحه وشدوه وتصريف مشاعره وشجونه وأشواقه، لا يرضى عنها بديلا ,هذا في الوقت الذي عم وطم فيه سيل الحداثة الشعرية لا يبقي ولا يذر، حتى أفضى الأمر إلى تحرير الشعر من كل قيد عبر قصيدة النثر.
آثر محمد العياشي، العودة إلى التراث بالانطلاق منه في آن، عن هوى منه وفطرة، وهو الأمازيغي-القح الذي لم يتعلم الدارجة حسب اعترافه، إلا في سن السادسة. لكن حين مسه الحرف العربي بعدئذ، أعداه بما يشبه المس والإنخطاف."
الكتابة عند العياشي هندسة بديعة في المخيلة، يرتب سواري القصيدة في تمعن شامخ، لا يأتي بالكلمة لتطابق الوزن، كما هو معروف عند السابقين، الذين ينظمون القصيدة عبر عضلات لغوية بائدة وزائدة. للكلمة عنده مكانها الخاص، تؤثث موضع الصورة الشعرية الجمالية. شعريا، حين نقرأ قصيدة ما، فإننا نبحث فيها عن كلام مختلف وعن رؤية، ضمنها تتأطر تجربة النص، وبها تحتمي، حتى لا يصبح الكلام مجرّداً من قيمته الإبداعية والفنية، أعني الجمالية، ويصبح الاختلاف بالتالي لا مبرر له."
أما في النص النقدي للكاتب المغربي "محمد عدناني" الذي ذيّل به الديوان: "تشكّل تجربة الشاعر محمد العياشي الشعرية علامة مميزة جدا في سماء الشعر المغربي، بعيدا عن معايير الذيوع والشهرة التي لا يتحكم فيها ما هو إبداعي بقدر ما تتحكم فيها أمور أخرى ليست من صميم العملية الإبداعية. (...) "وحي البيضاء"، هكذا عنوان الديوان... الدار البيضاء بصخبها وعنفها وثلوتها... صارت ملهمة لمحمد العياشي الذي عبّ من معين الأطلس ماء ثجّاجا زلالا شبما، تنَسّم من أرزه كل رائحة عطرة، وتوسّد مروجا فاكِها!!!."
ملحق:
دوحتي المعبودة (المتقارب):
أيا دوحة التين تيهي لما *** حظيتِ به مــن صفـــات الــعــــلاءِ
عراجينك الوارفات الطوال *** وجذعك أعـــبل نضْر الـلــــــــحــــــاءِ
جذورك موغِلة في الـــــثـــرى *** ورأسك منتــصب في الــســـمــاءِ
فلا الريح إن عصفتْ صرصرا *** تنال ولا القحط عام الجـفـاء
لـذلــك أصبحــت معــــــبودتــي *** ولــي أســـوة فــيــك كالأنــبــيــاء
وإن كنت ألقى كثير الملا *** م من صحبتي ومن الأقــــــربـتـاء.
الدار البيضاء (الكامل):
لا تحتفل إلا بوحدتك التي *** صخبت بعقر رحابها الأطياف
هذي الربوع غدوت بعض ترابها *** تجري عيك مياهها الألطاف
تتنقل الأجساد غير ثوابت *** لكن أعزّ مكانها الأجداف
تعليقات:
